ديوان «لحن بأصابع مكسورة» لسميرة عبيد صدر عن دار «فضاءات» في عمّان، يصفه الكاتب العراقي حيدر مصطفى الناصر بأنه سمفونية سميرة عبيد التي حوت ثمانية عشر مقطعا، ابتدأت بنوتة مرورا بقطر التاريخ صعودا نحو أمي لتتوقف في تناهيد سوريا، مجموعة شعرية عزفت فيها الشاعرة لحنها بأصابع مبتورة وهي كناية عن ما تحس به وتشعر به، فبدأت بحسرة على الإنسان الذي أدمته الحروب والأطماع انطلقت من روحها والقلب الآخر:
(أتحسر عليك.
ماهي الحسرة؟
شوكة أرسلتها الحياة
إلى الحياة
دمعة تحكي لون الأخضر
في صخب البحر
لون بحر أزرق لدمي
بين روحي وقلبك).
ويقول الناصر: جسدت الشاعرة بنوتتها إحساس الغربة للروح والألم والحسرة التي سكبتها في أروقة الحياة لتنشد بذاك سلاما وطمأنينة لذاتها، والتي هي كناية عن الروح الإنسانية العظمى، ويستمر العزف بإيقاع وموسيقى عالية تحمل الحب لكل الناس وكأن الشاعرة أرادت البوح بما يختلج في كل حلم لبني البشر فعبرت عنه بهمس:
(حالما بعين البنفسج
في جذور الهمس).
مستنكرة القتل والدمار الذي يحدث بين بني البشر رغم تعالي الأصوات مبينة بصورة إيقاعية عزفا منفردا يوصل الإحساس بأن النزاعات والحروب تخلف الإنهاك والدمار ولكن يبقى الأمل بأن هناك ربيعا قادما:
(أعزف في كل فصل
أعزف للأطفال في خيام الصحراء
للجنود في أيام الآحاد
للشعراء الذين صادفوني في مطارات الربيع
بمحض صدفة)
وينتقل إيقاع الشاعرة بعزفها بأصابع مبتورة للحظة التي ننتظرها وهي تصفها بالجنون لتنشد لقاء الغد الآتي أو الأمل المنتظر أو الأمس الراحل حين تعلن عن صرخاتها في تلك اللحظة التي يتلاشى فيها الزمن ليعبر كل النوافذ وتبقى الروح هائمة في ملكوته متلهفة للقاء:
(انتظرني
لبقية العمر
أنا عبق جنون
يحاكي سطوة طفلة تصرخ:
لست حلما مؤجلا
أو حطبا لروح متفحمة
أنا ذاكرة تشتعل بالمجاز
ترجلت طريق المستحيل
عجلات الاستعارة
جنون بنفسجة
يفتك بها البحر)
تنتقل بنا- سميرة عبيد- إلى صورة أخرى ضمن معزوفتها لتلوح إلى زمن يبقى ينتظر حتى ولو لغبش الماضي الجميل الذي تصوره بصورة العاشق المتأمل لطيف الحبيب في لحظة هي الأجمل، وهي صورة لكل من تغرب عن أهله ووطنه وفقد حبيبه فهي صورة نسجت من خيال الشاعرة محاكية الواقع الإنساني الذي أنهكته الحياة اليومية بمشاغلها وهمومها فأصبح الفقد سمة من السمات اليومية وأصبح الترقب نزعة لكل منا:
(أترقب طيفا
هاربا من أحمر شفاه
يبتلع عزلة شمس
ريق رمل
يتعرى حالما بملوحة بحر يبتل بالنور).
ويضيف الناصر: تبقى موسيقى سميرة عبيد تدوزن في لحنها البنفسجي وأصابع مبتورة من حكاية لأخرى مطرزة بعض مقاطعها بمقطوعات لفرناندوا بيسوا واندريه بروتون وفريد الدين العطار ومحمود درويش وانسي الحاج وربيندارانات طاغور لتعلن بأن الصراخ الإنساني المطالب براحة النفس والسلام والآمان هو مطلب الكيان الجمعي للبشر وتتنقل بنا إلى قطر حيث تصف لنا ذلك الوطن الجميل الوطن الذي تكاتفت جهوده في سبيل إعلاء راية قطر عاليا وتقدمها وما شهدته من العمران ضمن حقب الزمن.
وتطوف بنا الشاعرة بلحن أصابعها من أحد أحياء دبي جميرا لتصف لنا عبق الماضي وزحمة الحياة وما في اليوم من ألم متصاعد لتروي الحرف بعزف متميز تصاحبه صورة جميلة:
(من ذاكرة مثقوبة بالماء
تغني غصة قلب واله)
وترحل بنا موسيقى سميرة عبيد على أجنحة البنفسج إلى بغداد لتتغزل بتلك المدينة التي عدت يوما ما قبلة الدنيا وهي تحاكي واقعها المؤلم الذي امتزج برائحة القتل، لتتمنى لأطفاله غدا أخضر يملؤه عبق الربيع ولتطالب الجميع بأن يضمدوا جرح بغداد النازف:
ولعل جمال هذه الصورة في القصيدة يكمن في أحرفها المتراقصة بمقطوعتها التي تدفق بها خيال الشاعرة ليضفي للمكان قدسية الحياة ببهاء الموت ليعلن أن الموت ولادة:
(بغداد إليك سلامي
وأنا أجهزني شهيدة
تتلهى بنخيلك
إليك حجي ومنفاي
لا يعنيني مقامي خارجك، فنعشي فيك حياة
وموتي فيك ولادة..)
ومن دجلة الخير إلى هواء النيل ومن بغداد للقاهرة ترسم لنا الشاعرة صور وتجري بنا موسيقاها لتقول بأن الشعر بساط ريح ينقلنا برحلته ويمتعنا بجمال ألفاظه وسحر صوره وتدفق معانيه وجمال أسلوبه فقد رحلنا من الذات إلى مدن وأوطان آمنة وتاريخ أمة وعواصم جميلة لنتنشق:
(هواء النيل
للنيل ذاكرة العطر
حكاية طيور البجع
تغمرني في هذه اللحظة
وثوب عروس شاهد
على وجهك المرمري
قمري في أغواري يراقص
يطوق سحرك
وأنت تبحر بي إلى سر من أسرارك
سرك يا نيل).
المتصفح في سمفونية سميرة عبيد لحن بأصابع مبتورة لا شك تستوقفه ألوان الشعر فالشاعرة تبين أنها تمتلك القدرة على تنقل من لون إلى آخر فهي بلاشك توحي لنا بأن الشاعر متجدد فهو يكتب بالقريض والحر والنثر وان المتصفح بمجموعة سميرة عبيد الشعرية لاشك سيجد أنه لها القدرة على التنوع وأن لها في كل قصيدة شكلا ولونا ولكنها تأخذ مساحتها بالكتابة بإحساس متدفق وصور لا حدود لها جمال العبارة وموسيقى الكلمة هما اللذان تنسج منهما قصائدها وكأنها تعزف لحنا حرا على قيثارة سومرية. ولعل هذا البيت سيذهب مثلا عند العرب من قصيدة الوجدان:
(إذا سموت على الأفلاك لا عجب
بالعلم يسمو إلى الآفاق إنسان).
وفي المحطة الأخيرة منها وهي تناهيد سوريا التي تئن من جرح نازف ودمار حل بها ولعل صورة توجز الحال ضمن مجموعة التناهيد التي جعلتها الشاعرة في هذه القصيدة:
(منها أرواح البشر
لست أدري؟
كيف لي أن اختار صورك)
ختاما يرى حيدر مصطفى الناصر أن «المتصفح لمجموعة الشاعرة سميرة عبيد ستتملكه نوع من المتعة والدهشة، وكأنه يطير عبر الشرق والغرب ليشاهد زمانا ومكانا مدونا كنوتات موسيقية تحمل تجربتها الخاصة دون زيف أو اقتباس عندما تقرأ لها ولعبقها تستطيع أن تعرف وتدرك من بعيد أن هذه الروح هي روح الشاعرة سميرة عبيد، لا تصنع فيها وبالتالي فهي تؤكد في النهاية والتي كان الغلاف محط تدوينها لهذا المقطع بأنها لن تمل من العزف لأنها تجزم وبيقين بأن الناجين من الحروب سيسمعون ألحانها التي كانت تؤدي على أقلها دور النهام سابقا في تخفيف العناء والشدة على المسافرين»، عزفت الشاعرة لحنها بأصابع مبتورة على آلة بيانو مهجورة:
(أعزف خرسي كي يسمعه الناجون من الحرب
وفي قفصي الصدري كبوة ثلج تحرق صمتي
على آلة البيانو المهجورة
التي نجتاحها عناكب الظلام)
المصدر صحيفة الوطن القطرية
http://www.al-watan.com/news-details/id/5694